سيرته الذاتية
هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي، وُلد في العام 185هـ الموافق 825م في مدينة"الكوفة"، وقد تلقى في صباه التعليمَ الكثير؛ حيث حفظ القرآن الكريم ودرس الفقه وكذلك الحساب واطلع على علم الكلام، ولما كبر انتقل إلى الإقامة في "بغداد" ومال إلى دراسة العلوم والفلسفة ومن وقتها لم يترك هذه الدراسات حتى أُطلق عليه لقب "فيلسوف العرب".
وقد تُوفي في العام 226هـ الموافق 866م بعد أن ترك للفكر الإسلامي ذخيرة فكرية ما بين كتب وأفكار.
إنجازاته العلمية وتراثه الفكري
أسهم الفيلسوف الكندي في العلوم الإسلامية والفلسفة والرياضيات والفلك حتى عُرف بـ"مؤسس الفلسفة الإسلامية"، وقد كان يترجم الكتب ويراجعها ويلخصها حتى أسَّس الفلسفة الإسلامية بعد أن كانت هذه العلوم حكرًا على السريانيين، وقد بلغت شهرته العلمية والفكرية الآفاق إلى الدرجة التي دفعت الخليفة العباسي "المعتصم بالله" أن يندبه لكي يعلم ابنه العلوم والفنون المختلفة، وقد اعتبره البعض أبرز علماء عصره في العلوم القديمة والحساب.
أبرز كتبه
كان الكندي غزير التأليف، وقد اختلف المؤرخون والموثقون حول عدد كبته، فمنهم من قال بأنهم 240 ومنهم من زادهم إلى 280، وعلى الرغم من ضخامة هذه التقديرات إلا أن بعض هذه المؤلفات كان من الحجم الصغير الذي يتجاوز عدة صفحات، وقد قام ابن النديم بتصنيفها إلى 17 نوعًا.
ومن أبرز كتبه "الحث على تعلم الفلسفة" و"ترتيب كتب أرسطو طاليس" وذلك في الكتب الفلسفية، أما في كتبه الهندسية ما كتبه في أغراض "إقليدس" ورسالته في شروق الكواكب وغروبها بالهندسة، كما ألف كتبًا في الجدليات حيث تولى في العديد منها الرد على المذاهب غير الإسلامية، ومنها كتابه في الرد على "الثنوية" الذين يدعون بوجود قوتي الخير والشر في العام وأن الحياة الإنسانية ما هي إلا صراع كبير بينهما، وكتابه في نقض مسائل الملحدين، ولا يتسع المقام لذكر كل ما أبدعته قريحة الفيلسوف الإسلامي الأكبر والأول.
ملامح من فلسفته
كانت الفلسفة عند الكندي هي طلب الحق، وهو ما يعني التعرف على حقائق الأشياء، وقد أكد الكندي أن هناك حقًا أول هو الله سبحانه وتعالى والذي خلق كل الأشياء والذي يحركها ولا يتأثر بها، وبالتالي افترق عن الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي لم ينزه الذات الإلهية في تصوراته الفلسفية.
وأكد الكندي أيضًا أن الغاية من الفلسفة هي التعرف على الخالق سبحانه وتعالى، أي أنه جعل الفلسفة وسيلة لا غاية في حد ذاتها، كما جعلها أسلوبًا من أجل تقوية إيمان المرء بالله تعالى، وبالتالي ساهم في التوفيق بين الفلسفة وبين الدين، منهيًا الصراع الطويل الذي دار بين العلماء والفقهاء والفلاسفة في الفكر الإسلامي حول هذا الموضوع؛ حيث أشار إلى أن الدين يستند إلى الوحي ويدعو الإسلام إلى إعمال العقل من أجل تقوية إيمان المرء، ولما كانت الفلسفة تدعو إلى الاعتماد على العقل أيضًا فلا يكون هناك تعارض بينهما، وإنما الفلسفة تعتبر أداة من أدوات الإنسان من أجل الإيمان.
وقد اهتم الكندي بالفلسفة لدرجة أنه جعلها تشمل كل العلوم وقسمها 3 أقسام وهي العلوم الرياضية والتي ينبغي أن يبدأ بها التعليم، والعلوم الطبيعية ثم العلوم الإلهية التي اعتبرها أعلى العلوم التي توصل إليها الإنسان, أيضًا عمل الكندي على الاهتمام بدور الأخلاق في بناء الحضارة الإنسانية.
وبعد كل هذه الإسهامات في مجال العلم عامة وفي مجال الدراسات الفلسفية تحديدًا، يمكننا أن ندرك أسباب تلقيب الكندي بلقب "فيلسوف العرب"؛ حيث وفق بين الفلسفة والدين في الإسلام، ووضع للعقل دوره الحقيقي والأساسي في عملية إيمان الإنسان وإدراكه لحقيقة ذاته وعالمه ودينه، وإلى جانب ذلك كله أسس المنظومة الكبيرة المسماة بـ"الفلسفة الإسلامية" التي ازدهرت بعد ذلك وأصبحت ركنًا أساسيًا في الثقافة الإسلامية، وحمل من بعده لواءها العديد من كبار الفلاسفة مثل "ابن رشد"، وفي عصرنا الحالي الدكتور "زكي نجيب محمود".